فصل: ومن باب في الحمرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الحرير للنساء:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي أفلح الهمداني، عَن أبي رزين أنه سمع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يقول: «إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي».
قال الشيخ: قوله: «إن هذين» إشارة إلى جنسهما لا إلى عينهما فقط.

.ومن باب في الحمرة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إليّ وعليَّ رَيطة مضرجة بالعصفر قال ما هذه الريطة فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورًا فقذفتها فيه ثم أتيت من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته، قال أفلا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء».
قال الشيخ: المضرج الذي ليس صبغه بالمشبع العام وإنما هو لطخ علق به، ويقال تضرج الثوب إذا تلطخ بدم ونحوه، والريطة ملاءة ليست بلفقتين إنما هي نسج واحد.

.ومن باب الرخصة في ذلك:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة، عَن أبي إسحاق عن البراء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئًا أحسن منه».
قال الشيخ: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال عن لبس المعصفر وكره لهم الحمرة في اللباس فكان ذلك منصرفًا إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله ثم نسج فغير داخل في النهي.
والحلل إنما هي برود اليمن حمر وصفر وخضر وما بين ذلك من الألوان وهي لا تصبغ بعد النسج ولكن يصبغ الغزل ثم يتخذ منه الحلل وهي العصب وسمي عصبًا لأن غزله يعصب ثم يصبغ.

.ومن باب لبسة الصماء:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عَن أبي الزبير عن جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصماء والاحتباء في ثوب واحد».
قال الشيخ: قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبًا فيخرج منه يده وربما اضطجع على هذه الحالة.
قال أبو عبيد كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يقيه بيديه ولا يقدر على ذلك بإدخاله إياهما في ثيابه فهذا كلام العرب.
وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ويرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه، قال والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا وذلك أصح في الكلام والله أعلم.
وأما نهيه عن الاحتباء في ثوب واحد فإنه إنما يكره ذلك إذا لم يكن بين فرجه وبين السماء شيء يواريه، وقد روي هذا مفسرًا في الحديث.

.ومن باب إسبال الإزار:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى، عَن أبي غفار، عَن أبي تميمة الهُجيمي، عَن أبي جُري جابر بن سُليم، قال: «رأيت رجلًا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئًا إلاّ صدروا عنه، قلت من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قتلت عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الميت، قل السلام عليك»، وذكر الحديث بطوله.
قال الشيخ: قوله: «عليك السلام تحية الميت» يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة، فقال: «السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين»، فقدم الدعاء على اسم المدعو له كهو في تحية الأحياء، وإنما قال ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ** ورحمته ما شاء أن يترحما

وكقول الشماخ:
عليك سلام من أديم وباركت ** يد الله في ذاك الأديم الممزق

فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك، عَن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن خَرَشة بن الحر، عَن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قلت من هم يا رسول الله قد خابوا وخسروا فأعادها ثلاثًا، قلت من هم خابوا وخسروا قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر».
ورواه أبو داود من طريق الأعمش عن سليمان بن مُسهر عن خرشة بن الحر، عَن أبي ذر قال المنان الذي لا يعطي شيئًا إلاّ منَّه.
قال الشيخ: إنما نهى عن الإسبال لما فيه من النخوة والكبر.
والمنان يتأول على وجهين: أحدهما من المنة وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن كانت في المعروف كدرت الصنيعة وأفسدتها.
والوجه الآخر أن يراد بالمن النقص يريد بالنقص من الحق والخيانة في الوزن والكيل ونحوهما، ومن هذا قول الله سبحانه: {وإن لك لأجرًا غير ممنون} [القلم: 3] أي غير منقوص. قالوا ومن ذلك سمي الموت منونًا لأنه ينقص الأعداد ويقطع الأعمار.
قلت: وقد روينا أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يسقط من الإزار فرخص له في ذلك وقال: «لست منهم» وكان السبب في ذلك ما علمه من نقاء سره وأنه لا يقصد به الخيلاء والكبر، وكان رجلًا نحيفا قليل اللحم وكان لا يستمسك إزاره إذا شده على حقوه فإذا سقط إزاره جره فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وعذره.

.ومن باب في الكبر:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن سلمان الأغر، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله سبحانه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار».
قال الشيخ: معنى هذا الكلام أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه اختص بهما لا يشركه أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما، لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل، وضرب الرداء والإزار مثلًا في ذلك يقول والله أعلم كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره أحد، فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر، يَعني ابن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردلة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان».
قال الشيخ: هذا يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به كبر الكفر والشرك، ألا ترى أنه قد قابله في نقيضه بالإيمان، فقال لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان.
والوجه آخر أن الله تعالى إذا أراد أن يدخله الجنة نزع ما في قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر ولا غل في قلبه كقوله سبحانه: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
وقوله: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان»، معناه أن لا يدخلها دخول تخليد وتأبيد والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام حدثنا محمد، عَن أبي هريرة «أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلًا جميلًا فقال يا رسول الله إني رجل حبب إليّ الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد. إما قال بشراك نعلي وإما قال بشسعي أفمن الكبر ذلك، قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس».
قال الشيخ: قوله: «ولكن الكبر من بطر الحق» معناه لكن الكبر كبر من بطر الحق فأضمر كقوله تعالى ولكن البر من آمن بالله أي لكن البّر بّر من آمن بالله.
وقوله: «غمط» معناه أزرى بالناس واستخفهم، يقال غمط وغمص بمعنى واحد، وفيه لغة أخرى غَمَط وعَمَص مفتوحة الميم.

.ومن باب قدر موضع الإزار:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، من جر إزاره بطرًا لم ينظر الله إليه».
قال الشيخ: قوله: «فهو في النار» يتأول على وجهين أحدهما أن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له على فعله.
والوجه الآخر أن يكون معناه أن صنيعه ذلك وفعله الذي فعله في النار على معنى أنه معدود ومحسوب من أفعال أهل النار والله أعلم.

.ومن باب يدنين عليهن من جلابيبهن:

قال أبو داود: حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عَوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها «أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفًا، وقالت لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجور أو حجوز شك أبو كامل فشققنهن فاتخذنه خُمُرًا».
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح أنبأنا ابن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأُول لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31] شققن أكنَف مروطهن فاختمرن بها».
قال الشيخ: الحجور لا معنى له هاهنا وإنما هو بالزاي معجمة هكذا حدثني عبد الله بن أحمد المسكي، قال: حَدَّثنا علي بن عبد العزيز، عَن أبي عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي، عَن أبي عَوانة وذكر الحديث. فقال عمدن إلى حَجَز أو حجوز مناطقهن فشققنهن، والحجز جمع الحجزة وأصل الحجزة موضع ملاث الإزار ثم قيل للإزار الحجزة، وأما الحجوز فهو جمع الحجز يقال احتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه.
وقولها الأكنف تريد الأستر والأصفق منها ومن هذا قيل للوعاء الذي يحرز فيه الشيء كِنْف والبناء الساتر لما وراءه كنيف، والمروط واحدها مرط وهو كساء يؤتزر به.

.ومن باب في قوله تعالى: {غير أولي الإربة} [النور: 31]:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أرى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلنَّ عليكن هذا فحجبوه».
قال الشيخ: قال أبو عبيدة قوله تقبل بأربع، يَعني أربع عكن في بطنها فهي تقبل بهن، وقوله تدبر بثمان، يَعني أطراف هذه العكن الأربع وذلك أنها محيطة بالجنين حتى لحقت بالمتنين من مؤخرها من هذا الجانب أربعة أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها فهذه ثمان.

.ومن باب في الاختمار:

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن قال: وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن حبيب عن وهب مولى أبي أحمد عن أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تختمر فقال ليّة لا ليَّتين».
قال الشيخ: يشبه أن يكون إنما كره لها أن تلوي الخمار على رأسها ليتين لئلا يكون إذا تعصبت بخمارها صارت كالمتعمم من الرجال يلوي أطراف العمامة على رأسه، وهذا على معنى نهيه النساء عن لباس الرجال والرجال عن لباس النساء وقال لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا أنبأنا ابن وهب أخبرنا ابن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة الكلبي أنه قال: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقَباطي فأعطاني قُبطية منها، فقال اصدعها صِدعين فاقطع أحدهما قميصًا وأعط الآخر امرأتك تختمر به».
قال الشيخ: القبطية مضمومة القاف الشقة أو الثوب من القباطي وهي ثياب تعمل بمصر؛ فأما القبطية بكسر القاف فهي منسوبة إلى قبط وهم جيل من الناس.
وقوله: «اصدعها» يريد شقها نصفين فكل شق منها صدع بكسر الصاد، والصدع مفتوحة الصاد مصدر صدعت الشيء إذا شققته واصدعه صدعًا.

.ومن باب إهاب الميتة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وَعْلة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر».
قال الشيخ: الإهاب الجلد ويجمع على الأهب وزعم قوم أن جلد ما لا يؤكل لا يسمى إهابًا، وذهبوا إلى أن الدباغ لا يعمل من الميتة إلاّ في الجنس المأكول اللحم، وهو قول الأوزاعي وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي إلى أن جلد الميتة مما يؤكل لحمه ومما لا يؤكل يطهر بالدباغ، إلاّ أن أبا حنيفة وأصحابه استثنوا منها جلد الخنزير واستثنى الشافعي مع الخنزير جلد الكلب، وكان مالك يكره الصلاة في جلود السباع وإن دبغت ويرى الانتفاع بها ويمتنع من بيعها، وعند الشافعي بيعها والانتفاع بها على جميع الوجوه جائز لأنها طاهرة، ومما يدل على أن اسم الإهاب يتناول جلد لا يؤكل لحمه كتناول جلد المأكول اللحم قول عائشة رضي الله عنها حين وصفت أباها رضي الله عنهما وحقن الدماء في أهبها تريد به الناس وقال ذو الرمة يصف كلبتين:
لا يذخران من الإيغال باقية ** حتى تكاد يفرّى عنهما الأهب

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل قالا: حَدَّثنا همام عن قتادة عن الحسن عن جَوْن بن قتادة عن سلمة بن المحبَّق «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في غزوة تبوك على بيت فإذا قربة معلقة فسأل الماء فقالوا يا رسول الله إنها ميتة قال دباغها طهورها».
قال الشيخ: وهذا يدل على بطلان قول من زعم أن إهاب الميتة إذا مسه الماء بعد الدباغ نجس وتبين له أنه طاهر كطهارة المذكى وأنه إذا بسط فصلى عليه أو خرز منه خف فصلى فيه جاز.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني عمرو، يَعني ابن الحارث عن كثير بن فرقد عن عبد الله بن مالك بن حذافة عن أمه العالية بنت سبيع عن ميمونة قالت: «مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أخذتم إهابها قالوا إنها ميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهرها الماء والقرظ».
قال الشيخ: القرظ شجر تدبغ به الأهب وهو لما فيه من القبض والعفوصة ينشف البلة ويذهب الرخاوة ويحصف الجلد ويصلحه ويطيبه فكل شيء عمل عمل القرظ كان حكمه في التطهير حكم القرظ.
وذكره الماء مع القرظ قد يحتمل أن يكون أراد بذلك أن القرظ يخلط به حتى يستعمل في الجلد، ويحتمل أن يكون إنما أراد أن الجلد إذا خرج من الدباغ غسل بالماء حتى يزول عنه ما خالطه من وضر الدبغ ودرنه.
وفيه حجة لمن ذهب إلى أن غير الماء لا يزيل النجاسة ولا يطهرها في حال من الأحوال.
قال أبو داود: حدثنا مسدد بن مسرهد أن إسماعيل بن إبراهيم ويحيى بن سعيد حدثاهم المعنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عَن أبي المليح بن أسامة عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع».
قال الشيخ: قد يحتج بنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يرى أن الدباغ لا يعمل إلاّ في جلد ما يؤكل لحمه، وهو قول الأوزاعي وسائر من حكينا قولهم بَدِيا هكذا وتأويل الحديث عند غيرهم أن المنهي عنه أن يستعمل قبل الدباغ.
وتأوله أصحاب الشافعي ومن ذهب مذهبه في أن الدباغ يطهر جلود السباع ولا يطهر شعورها على أنه إنما نهى عن استعمالها من أجل شعرها لأن جلود النمور والحمر ونحوهما إنما تستعمل مع بقاء الشعر عليها، وشعر الميتة نجس عندهم، وقد يكون النهي عنها أيضًا من أجل أنها مراكب أهل الشرف والخيلاء. وقد جاء النهي عن ركوب جلود النمر نصًا، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب فأما إذا دبغ الجلد ونتف شعره فإنه طاهر على مذهبه ولا ينكر تخصيص العموم بدليل يوجبه.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عُكيم قال قدم علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جُهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عَصب.
قال الشيخ: قد ذهب أحمد بن حنبل إلى ظاهر هذا الحديث وزعم أن الأخبار في الدباغ منسوخة به لأن في بعض الروايات أن عبد الله بن عكيم قال: «أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب فكان التحريم آخر الأمرين».
قال الشيخ: ومذهب عامة العلماء على جواز الدباغ والحكم بطهارة الإهاب إذا دبغ ووهنوا هذا الحديث لأن عبد الله بن عكيم لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم فقد يحتمل لو ثبت الحديث أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع به قبل الدباغ ولا يجوز أن يترك به الأخبار الصحيحة التي قد جاءت في الدباغ وأن يحمل على النسخ والله أعلم.